شخصيات لم ينصفها التاريخ (قرقوش )
في العام الماضي مرت خمسمائة عام على وفاة قراقوش.. وقراقوش أمير أيوبي اشتهر بقراراته الحمقاء حتى ألف فيه كتاب بعنوان
(الفاشوش في أحكام قراقوش) !!.
ولكن الحقيقة أن قراقوشاً (واسمه الكامل قراقوش بن عبدالله الأسدي بهاء الدين) كان قائداً مقداماً نشأ في خدمة صلاح الدين وكان ينوب عنه في غيبته.
وكان له ذكاء وقاد وولع بالعمران. ولما استرد صلاح الدين عكا من الصليبيين لم يجد أكفأ منه لإمارتها . ولما عاد الافرنجة واستولوا عليها افتداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار وفرح بعودته فرحاً عظيماً.
أما ما ينسب إليه من قوانين خرقاء فقال عنها المؤرخ ابن خلكان:الظاهر أنها موضوعة لأن صلاح الدين كان يثق فيه ويعتمد عليه ويجعله في نيابته ولولا وثوقه بكفايته ما فوضها إليه..
وما نسب إلى قراقوش ظلم تاريخي ليس وحيداً أو فريداً من نوعه، فهارون الرشيد مثلاً شاع عنه حب الجواري وإقامة الليالي الحمراء وما نخجل من ذكره في ألف ليلة وليلة. ولكن الحقيقة هي أنه كان حاكماً صالحاً عادلاً يحج عاماً ويغزو عاماً!.
~~~~~~~~~~~~ ~~~
ومن التاريخ الروماني شاع عن الإمبراطور نيرون أنه قتل أمه وزوجته وأمر بإحراق روما ثم أخذ يعزف على الكمان وهو يشاهدها تحترق. ولكن الحقيقة هي أن أمه قتلت على يد أعدائه والنار شبت عفواً والكمان لم يخترع إلا بعد موته بقرون!!.
أما كليوبترا فأصبحت نموذجاً للاغراء والفسق والتهتك الانثوي. وحتى اليوم تصور في الكتب والأفلام الأجنبية كمثال للمرأة التي تستغل مفاتنها لتحقيق مآربها السياسية. ولكن الحقيقة هي أن كليوبترا كانت تتمتع بعقلية إدارية فذة وحافظت على وحدة مصر حتى أثناء الاحتلال الروماني!.
~~~~~~~~~~~~ ~~~
وفي المقابل - وعلى العكس تماماً - قد تشتهر بعض الشخصيات الوضيعة بما ليس فيها من نبل وخصال حميدة..
فكم درسنا (في المدرسة) ما يوحي بكمال الخلفاء الأمويين والعباسيين في حين كانت لأغلبهم سير يندى لها الجبين . قارن مثلاً بين ما قرأناه عن يزيد بن معاوية وما كان عليه فعلاً في حياته اليومية.
وفي التاريخ المسيحي اضفى المؤرخون على قسطنطين الأول صفات القداسة وأصبح اسمه (إلى اليوم) لا ينطق إلا مسبوقاً بلقب قديس. ولكن الحقيقة هي أن قسطنطين أقسى إمبراطور اضطهد المسيحيين واغتصب أمه وقتل ابنيه ولم يعتنق المسيحية إلا حفاظاً على عرشه!!.
~~~~~~~~~~~~ ~~~
ولكن لماذا؟؟.. لماذا يظلم التاريخ البعض ويعطي البعض الآخر أكثر مما يستحقون؟!.
لفهم هذه الظاهرة يجب أن نفهم كيف نحكم نحن البشر على بعضنا البعض، فنحن في الواقع لا نملك الوقت ولا الرغبة في تفصيل الآخرين والنظر إليهم كخليط من الخير والشر . فنحن نطلق (وبسرعة عجيبة) أحكاماً متطرفة وجاهزة لا تقبل الحل الوسط ولا حتى النقاش، (فهو) إما صالح أو طالح، إما عظيم أو وضيع، إما عادل أو ظالم..
وحين يشتهر شخص ما يصبح محتما الحكم عليه بهذه الطريقة (سلباً أو إيجاباً). وما يجعلنا نميل لهذا الجانب أو ذاك قد يكون مجرد حادثة فردية أو شائعة ملفقة ترفعه للسماء أو تخسف به للأرض.. وحين يحدث ذلك تأتي أجيال لاحقة (لا تعرف الرجل) فتتلقف الأحكام على علاتها وتعطيها مزيداً من الرسوخ والتطرف..
ولكن بقليل من التأمل ندرك أن ما من إنسان صالح أو طالح بشكل كامل أو نهائي.وأن التاريخ ليس ما حدث بالفعل بل ما رغب المؤرخ بحدوثه ولوى الأعناق باتجاهه
منقول