فرغم كل ما كتب في الصحافة ، والمواقع ، والمنتديات عن
محاكمة صدام حسين من مديح ، أو قديح ، إلا أن الجميع قد كتبوا عن هذه
المحاكمة كحدث قائم بذاته ، مقتطع من التاريخ ، محجوراً
عن المستقبل .
ومهما كان متابع المحاكمة متفاعلاً في عباراته ، وحماسيًا في تعبيراته ،
أو عقلانياً في تحليلاته ... فإنه يعيش بفكره وقلمه في قوقعة المحكمة ،
ويكبل في أغلالها ... مالم يخرج فكره إلى الأبعاد الحقيقية
لهذا المحاكمة ! إلى البعد التاريخي لهذه المحاكمة ، إلى البعد
العقدي الذي قامت عليه هذه المحاكمة ، إلى
البعد التحليلي ..
إن تناول الحدث بهذا الاجتزاء المخزي جريمة لا تقل عن جريمة قتل صدام
حسين لو أنهم قتلوه ، وإن هذه النظرة لوحدها كافية لوأد ثمار هذه
المحاكمة في مهدها ، وعزلها عن تفاعلاتها ، بل عزل حاضر الأمة عن
تاريخها ، وإسلام مستقبلها لعدوها ..!
لعل الكثيرين مروا مرور الكرام على ما انفردت ' مفكرة الإسلام '
بنشره عن صدام بعد سقوط بغداد في بحث موثق بعنوان ' العقد الأخير
من حياة صدام في ميزان الإسلام ' ولكأن ما كتب آنذاك كتب لهذا اليوم
وكل مافيه من حقائق ظهرت لجميع الناس بل ظهر ماهو أكبر مما ذكر ،
وسيظهر عند الرجوع إليه جلياً أن محاكمة صدام إنما هي الحلقة الأخيرة
التي ظهرت للناس ، بينما اختفت جميع الحلقات الأولى ...
بل أُخفيت .
إن الرجل حين تحدى اليهود كان يدرك خطورة هذا التحدي ، وأنه ربما
شرب بذات الكأس الذي شرب منه من وقف في وجه اليهود طوال التاريخ
القديم والمعاصر ..!
وأخيراً فسوف يعرف القارئ جواب السؤال الأكبر الذي يقول : مـن
يحـاكم من ؟!
إنها اليهودية ممثلة في الحكومة العراقية ، تحاكم الأمة العربية ،
والإسلامية ممثلة في صدام حسين ... هكذا هي المحاكمة في حقيقتها ،
في نظرة اليهود لها ، وبشاهد مثيلاتها ، وبحكم التاريخ عليها ،
وانزلوا إلى الشارع العربي والإسلامي، واسألوا العجوز والكهل،
والطفل، والشاب، والفتاة، وسيتفق الجميع على هذا الموقف والذي
صاح منه قادة الشيعة في العراق بقولهم : إنا لنحزن أشد الحزن أن
الشارع العربي كله معه لأنهم مغيبون عن حقيقة هذا المجرم صدام
حسين [ حسب زعمهم ] .
فأنا لا أنطلق في بحثي هذا من موقف شاذ، أو رأي غريب ، وإنما
هو رأي الغالبية من جماهير العرب والمسلمين، ومن وقف غير هذا
الموقف هو الموقف الشاذ والغريب .
وهاهو اليوم جاء الذي خطط له اليهود طويلاً .. اليوم الذي يقعد
ذلك الرجل في القفص علانية ، ذاك الوحيد الذي أظهر معارضة اليهود
علانية ! وجعل شعاره الثابت [ عاشت فلسطين حرة أبية من النهر
إلى البحر ] ..! وفعل كل ما فعل من صراعات خفية مع اليهود ،
وصراعات ظاهرة أحياناً ... فعل ذلك ولم يتردد لحظة ، ولم ينثن
حتى والقوات تحيط ببلاده إحاطة السوار بالمعصم ، حتى والنار
فوق رأسه ، والعدو داخل قصره ... حتى وهو يخاطب الأمة معزياً
إياها في أولاده ، حتى وهو يعيش لحظات الكر والفر من مكان
إلى آخر ..!
اقعد هنا يا صدام ! اقعد ولينظر العالم كله إلى مصير من
يتحدى اليهود ! اقعد واستمع إلى أطنان التهم ! اقعد وانظر إلى
شهود اليهود من بني قومك وجيرانك ، فاليهود لا يقاتلونك إلا من
ورائهم ! اقعد واشرب مكرهاً ، فقد شرب آخرون من يد اليهود كؤوس
فضيحة مخزية ، وآخرون شربوا رصاصة في ليلة مظلمة ، وآخرون
يتجرعون وهم على كراسيهم الآن كؤوس الهوان ! اقعد ولن تقوم إلا
إلى قبرك المنفي .
لم يتمكن اليهود من الدخول إليه ، لا بمنفذ المال ، ولا النساء ،
ولا العبودية ولا غيرها .. فكان لا بد من الحرب الشاملة ، ولا بد
من المحاكمة المهينة ، وقد كان لهم ما أرادوا ..
لقد أصبحت أصابع اليهودية ظاهرة فيها تمام الظهور ..
الأصابع اليهودية في المحاكمة
الإصبع اليهودي الأول : المحكمة محكمة يهودية:
استغرب الكثيرون من الاستعجال في تعيين المحكمة بعد القبض
على صدام ، وتساءل آخرون عن تعيين سالم الجلبي ـ ابن أخت
أحمد الجلبي ـ رئيساً للمحكمة التي ستحاكم صداماً منذ أول اعتقاله ،
لكن حين عرف الناس من هو أحمد الجلبي ومن هو ابن أخته ، ذهب
العجب .. فمن هم ابنا الجلبي ..؟!
أما سالم فهو شريك مكتب محاماة في أمريكا صاحبه يهودي متطرف
من حزب الليكود ، أما أحمد الجلبي فهو اليهودي بالرضاعة والولاء ،
وما عاد الأمر خافياً ، فسالم الجلبي[41] عامًا
وهو ابن اخت زعيم ' المؤتمر الوطني العراقي ' أحمد الجلبي ,
وشريك مهم للإسرائيلي مارك زيل أحد أعضاء حركة ' غوش أمونيم '
الاستيطانية المتطرفة , والذي له شركة 'العراق
القانونية الدولية ' التي تصف نفسها بأنها 'بوابتك المتخصصة
إلى العراق الجديد' في بغداد أسست غداة سقـوط النظام العراقي
وكان زيل شريكاً لأحد صقور الإدارة الأميركية المعروفين بـ'المحافظين
الجدد' دوجلاس فيث مساعد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ,
في شركة محاماة أميركية إسرائيلية تعمل في واشنطن وتل أبيب. وجاء
تأسيس هذه الشركة [فانتز] بعد قرار فيث ترك عمله الحكومي ليكون
' عميلاً أجنبيًا ' يمثل مصالح إسرائيلية وتركية في الولايات المتحدة.
ومعلوم أن فيث من مؤيدي حزب 'ليكود الإسرائيلي, وكان ممن عملوا
لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو [وزير المال
الحالي] بالتخلص من اتفاق أوسلو الذي وقعه الجانبان الإسرائيلي
والفلسطيني عام 1993,
وبعد افتتاح شركة قانونية للإسرائيلي مع الجلبي في بغداد, سارع
زيل إلى تأسيس فرع لشركة 'غولدبرغ إند كو' الإسرائيلية في الولايات
المتحدة, والتي تعمل لمساعدة شركات أميركية في علاقاتها مع الحكومة
الأميركية لجهة مشاريع إعادة الإعمار في العراق'. وبالفعل, نجحت الشركة
في تسليم شركات أميركية عقوداً بمئات الملايين من الدولارات ، يذكر أن
هذه الشركة لا تزال تستخدم موقعاً لشركة 'فانتز التابعة لفيث الذي واجه
انتقادات بعد فضيحة تعذيب السجناء في معتقل 'أبو غريب وكان تراجع نفوذ
فيث في الإدارة الأميركية أثر في علاقات أحمد الجلبي مع واشنطن في هذا
الإطار , كما تردد أخيراً أن سالماً الجلبي يملك استثمارات واسعة في
أسبانيا . وأفيد أنه مساهم في مشروع 'كسانادو ميجامول' في مدريد ,
وهو أحد أكبر المراكز التجارية في البلاد '
أما خاله أحمد الجلبي: فقد ولد أحمد الجلبي عام[1945] لأسرة شيعية
ثرية تعمل في القطاع المصرفي، وغادر العراق عام [1956] وعمره 11 عامًا،
وعاش معظم حياته بعد ذلك في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث درس
الرياضيات في جامعة شيكاغو ومعهد ماساشوستش للتكنولوجيا، عاد بعد
ذلك إلى لبنان حيث عمل بالجامعة الأمريكية في بيروت فترة قصيرة،
وفي هذه الفترة وطد علاقاته مع المسؤولين الأردنيين وخاصة مع ولي
عهد الأردن وقتها الأمير الحسن بن طلال فانتقل إلى الإقامة في عمان
عام 1975.
في عام 1977 أنشأ الجلبي بنك البتراء في الأردن، والذي نما خلال
السنتين التاليتين ليصبح ثاني أكبر بنك من بين الـ 17 بنكاً في
الأردن، إلا أنه في عام 1988 انهار البنك في فضيحة من فضائح الفساد
الاقتصادي، وفي الوقت ذاته خضع بنك أسرة آل الجلبي في سويسرا
'ميبكو – جنيفا' إلى المراقبة من قبل المراقبين السويسريين،
وفي أبريل عام 1989 ألغى السويسريون رخصة ذلك البنك، وفي 2
أغسطس عام 1989 تم إغلاق بنك بتراء الأردن، ونصحه المقربون بالهرب
فاختبأ في صندوق سيارة وهرب متوجها إلى سوريا، وبعد ذلك
انهارت شركات آل الجلبي الواحدة بعد أخرى، فاتجه الجلبي إلى لندن
لتبدأ قصته مع عالم السياسة والمعارضة العراقية خاصة بعد أن حكمت
عليه محكمة أردنية بالسجن 22 عاما.
الطريق إلى واشنطن عبر تل أبيب: علاقة أحمد الجلبي وأسرته بإسرائيل
أقدم من علاقته بأمريكا، بل إن إحدى شركات آل الجلبي وهي شركة
'ميبكو بيروت' لعبت دورًا في تمويل ميليشيات حركة أمل الشيعية
عندما كانت تشن حرباً على الفصائل الفلسطينية في الثمانينات.
إلا أن العلاقة المباشرة بين الجلبي وتل أبيب كشفتها صحيفة يديعوت
أحرونوت الإسرائيلية في مقال لها بعدد 2/5/2003 حمل عنوان 'خليفة
صدام زار إسرائيل سراً'، وكشف كاتب المقال عدة حقائق تتمثل في
الآتي:
1- تم تقديم أحمد الجلبي إلى الأمريكيين بواسطة المخابرات
الإسرائيلية، ويشرح الكاتب هذه الحقيقة فيقول: '.. ترجع العلاقة
بين الجلبي وإسرائيل إلى 13 عامًا مضت وقد أفصح مسئول وزارة الدفاع
هذا الأسبوع عن تفاصيل اللقاء الأول مع الجلبي في لندن أظهر الجلبي
على الفور الدفء الشرق أوسطي إنه شخص ذكي وقد فاجأني بمعرفته
الواسعة بنا إنه يعرف كل فرد في نظامنا السياسي فهو يعرف الوزراء
وأعضاء الكنيست المؤثرين ورؤساء مخابرات قوات الدفاع الإسرائيلية
والموساد كما يعرف علاقات إسرائيل المعروفة والسرية في العالم العربي
وقد تطرق حديثنا بسرعة إلى العلاقات المستقبلية بين العراق والقدس
بعد سقوط صدام وأصر حينها على رسم خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط
وأعلن أن العراق سيرفع شعار الديمقراطية'.
ويضيف الكاتب الإسرائيلي :' أخبر الجلبي مسئول وزارة الدفاع أنه
التحق في بغداد بمدرسة 'مدام عادل' الخاصة المتميزة وهي سيدة يهودية
كما أنه تعرف عن قرب على المجتمع اليهودي 'لقد كان على علم
بعاداتنا وعندما قام بأول زيارة له إلى إسرائيل، أخذناه في جولة
داخل مركز بابل للتراث ولاجتماعات مع اليهود العراقيين وعندما رأى
أنهم يحتفظون بعاداتهم التي اكتسبوها من العراق رأيت أنه كان من
الصعب عليه إخفاء مشاعره'
2- علاقة الجلبي بالمخابرات الإسرائيلية تعود إلى عام 1990؛ فيقول
كاتب المقال:
تلقى الجنرال [احتياط] داني روثشيلد، الذي ترأس فرع الأبحاث في مخابرات
قوات الدفاع الإسرائيلية أرقام هواتف الجلبي في لندن عام 1990 وذهب
لمقابلته سراً لقد كان من النادر جداً أن تستطيع مخابرات قوات الدفاع
الإسرائيلية عقد صلات مع منفي عراقي كبير والذي أظهر قدراً كبيراً من
حسن النية كما ناقشا جهود إسرائيل في الحصول على معلومات حول مصير
الجنود الأسرى والمفقودين التابعين لقوات الدفاع الإسرائيلية، وقال
روثشيلد: 'لقد وعدنا الجلبي بأنه يستطيع استخدام صلاته في طهران لبحث
موضوع رون آراد ...
التقى روثشيلد والجلبي في مكتب المنفي العراقي الفخم في غربي لندن
وتحدثا لساعات طويلة حول مستقبل المنطقة، ويتذكر روثشيلد أنه كتب
تقريراً سرياً عن هذا اللقاء ..
3- الجلبي يقوم بسلسلة من الزيارات السرية إلى إسرائيل؛ تقول
الصحيفة: '.. قادت لقاءات الجلبي السرية في لندن إلى سلسلة
من الزيارات السرية الأخرى إلى تل أبيب، ويقول المسؤول الإسرائيلي
'لقد حضر أساساً لاكتساب انطباع عن قرب عن ماهية الإسرائيليين وعن
صورة دولة إسرائيل'.
المخابرات الأمريكية تنشئ المؤتمر الوطني العراقي المعارض:
بعد هذه السلسلة من اللقاءات بين أحمد الجلبي والمسؤولين الإسرائيليين،
قرر مسئولو الأمن الإسرائيليين اقتراح اسم الجلبي على الإدارة الأمريكية
وإيصاله بكبار المستشارين في البيت الأبيض والبنتاجون ووكالة المخابرات
المركزية، ونتيجة لهذه التوصيات منحه جيمس وولسلي مدير المخابرات
المركزية الأمريكية السابق رعايته.