الأصول التاريخية لكلمة مافيا في العصور الوسطى
يرجع تاريخ كلمة المافيا إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م ، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها : Morte Alla Francia Italia Anelia ويعني (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) فجاءت كلمة (مافيا MAFIA ) من أول حرف من كلمات الشعار.
وهناك وجهة نظر أخرى حيث يذكر بعض زعماء المافيا وعلى رأسهم جوبونانو (أبوعين) أن بداية المافيا كانت تتويجاً للتمرد والعصيان الذي ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة في ليلة زفافها ، يوم إثنين من عام 1282 م ، مما أشعل نار الإنتقام في صدور الإيطاليين والتي امتدت لهيبها من مدينة إلى أخرى ، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت إنتقاماً لشرفهم المذبوح في هذا اليوم المقدس لديهم ، وكان شعارهم في ذلك الوقت هو الصرخة الهستيرية التي صارت ترددها أم الفتاة وهي تجري وتبكي في الشوارع كالمجنونة.
ومن أشهر فرق المافيا فرقة جزيرة صقلية بإيطاليا . تكونت هذه الفرقة في القرن السابع عشر الميلادي كمجموعة سرية تعارض حكام الجزيرة الأسبان.
نـشـأة الـمـافـيـا
فـي صـقـلـيـه:-
نشأت المافيا في وقت ما خلال منتصف القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية . وأصبحت بحلول الربع الأخير من القرن التاسع عشر القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المسيطرة في غربي صقلية، وكانت في بادئ الأمر في أعمال الحماية والابتزاز في منطقة بالرمو وما حولها من مزارع الليمون والبرتقال ، وضمت بين طياتها بعض من أفراد الارستقراطية الحاكمة ، حيث انقسم المجتمع في بداية الدولة الإيطالية الناشئة إلى الساسة وأصحاب الأراضي ودخلت المافيا بين هذين الفريقين كما كانت المحرك للعديد من أفراد الحكومة ورجال الأعمال ، ويتبع أفرادها شفرة خاصة تسمى أومرتا تمنع إفادة الشرطة بالجريمة.
خلال الفترة الفاشية ، هرب الكثير من أعضاء المافيا إلى الولايات المتحدة خشية الإضطهاد والسجن ، من بينهم جوزيف بونانو ، الشهير ب (جو باناناز) والذي جاء ليسطر على فرع المافيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
تـرتـيـب الـقـيـادة داخـل عـائـلـة الـمـافـيـا
المافيا طبقاً لملفات الشرطة الأمريكية ، جهاز معقد التركيب يبدأ تكوينه بما يسمى العائلة التي تمثل نواة المافيا وهي عبارة عن عصابة تجمعهم رابطة الدم أو الزواج أو أحياناً مجموعة من الأصدقاء ويكون زعيم العائلة أقوى أفرادها وأجدرهم بالقيادة ويتم اختياره بموافقة باقي الأفراد.
الرئيس- Boss/Don - رأس العائلة وأقوى أفرادها ويمثل رأس السلطة الهرمية ، وهو منفصل عن العمليات الفعلية بعدة طبقات من السلطة، كما أنه يتلقى جزء من أرباح كل عملية يقوم بها كل فرد من أفراد الأسرة. الرئيس يتم اختياره بالتصويت من رؤساء المجموعات - "كباتن" captains - العائلة ، إذا كانت هناك حاجة للتصويت مساعد الرئيس يجب أن يصوت.
المساعد-Underboss - عادة يقوم الرئيس بتعيينه ، وهو "الرجل الثاني" في العائلة ، وهو يعد الكابتن المسئول عن بقية " كباتن " العائلة تحت رئاسة الرئيس ، وهو الرجل الذي يتقدم للرئاسة في حالة سجن الرئيس.
المستشار- Consigliere- مستشار العائلة ، يعمل كمسؤول استماع والمكلف بالتوسط في نزاعات الأسرة ، كما أنه يهتم بالجانب الإقتصادي " للأعمال " وهم عادة رجال العصابات قليلي الشهرة الذين يمكن الوثوق بهم ، هم عادة يبقون العائلة تبدو قانونية قدر الإمكان ، وهم على قدر كبير من القانونية بغض النظر عن المقامرة على نطاق ضيق أو الاحتيال للحصول على المال.
كابتن- كابو Capo - هو قائد مسئول عن مجموعة ، هناك عادة من 4-6 مجموعات في كل عائلة ، كل منها تتكون من عدد من الجنود يصل إلى 10 . الكابتن يدير شئون عائلاته الصغيرة ، ولكن يجب أن يتبع الأوامر التي يضعها الرئيس ، وكذلك أن يدفعوا له حصة من مكاسبهم. الكباتن يتم ترشيحهم من قبل المساعد أو الرجل الثاني ولكن في الأصل يختارهم الرئيس نفسه.
الجندي- Soldier - هم من أعضاء الأسرة " المصنوعين " أي لا ينتمون مباشرة للعائلة ولكن يمكن فقط أن يكونوا من أصل إيطالي أو صقلي ، وهم يبدأون منتسبين أو مساعدين أثبتوا أنفسهم ، والكابتن هو من يرشح الجندي الجديد وعادة يكون الجندي بعد قبوله في مجموعة الكابتن الذي رشحه.
المساعد الخارجي- Associate- ليس عضواً في العائلة ، وإنما يقومون بمهام محددة ، ويقومون أحياًناً بدور الوسيط أو يبيعون المخدرات لدرء الخطر عن الأعضاء الفعليين. الغير إيطاليين لا يمكن أن يصلوا لأكثر من ذلك بالنسبة للعائلة.
دور المـافـيا فـي اجتــياح إيطالـيـا وصـقلـيـة بـالـحـرب الـعـالـميـة الـثـانـيـة
لاكي لوتشيانو :
وقد استخدمت أمريكا الاتصالات الايطالية بالمافيا الأمريكية خلال اجتياح إيطاليا وصقلية في الحرب العالمية الثانية عام 1943 ، فقد قام لاكي لوتشيانو وأعضاء آخرين في المافيا الذين اعتقلوا خلال هذا الوقت بأمريكا بمد المعلومات للاستخبارات الأمريكية ، الذين استخدموا نفوذ لوتشيانو لتسهيل الطريق أمام القوات الأمريكية المتقدمة. وطبقاً لدكتور ألفرد. و. ماكوي ، خبير تجارة المخدرات ، فقد سمح للوتشيانو بإدارة شبكته من زنزانته جزاء مساعداته، وبعد الحرب تمت مكافأته بترحيله إلى إيطاليا ، حيث استكمل نشاطاته هناك . فقد ذهب إلى صقلية عام 1946 لاستئناف نشاطه ، وطبقاً لكتاب ماكوي الهام الذي صدر عام 1972 بعنوان " The politics of Heroin in South-East Asia" أو "سياسات الهروين في جنوب-شرق أسيا" ذهب لوتشيانو لإبرام اتحاد مع المافيا الكورسيكية ـ كورسيكا ، مما أدى إلى تطور في شبكة التهريب العالمية للهروين ، والذي كان يورد أساساً من تركيا ومقره في مرسيليا - وهو ما يطلق عليه " The French connection" أو " الحلقة الفرنسية " ومؤخراً ، عندما بدأت تركيا في وقف إنتاجها للأفيون ، استخدم اتصالاته مع المافيا الكورسيكية ، لفتح حوار مع رجال المافيا الكورسيكية بالمهجر في جنوب فيتنام ، فقد استغلوا الأوضاع الفوضوية في الحرب الفيتنامية لتأمين مورد لا ينضب وقاعدة توزيع في " المثلث الذهبي " والذي بعد فترة قصيرة بدأ في ضخ كميات كبيرة من الهيرويين الأسيوي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبلدان أخرى عبر العسكرية الأمريكية.
في إيطاليا:
يطلق على المافيا الإيطالية عبارة "La Cosa Nostra " باللغة الإيطالية بمعنى " الشيء أو الأمر الخاص بنا " تطورت جمعية سرية أخرى تدعى كامورا في سجون نابولي بإيطاليا . وانتشر نفوذها في بداية القرن التاسع عشر في المدينة والمناطق الريفية المجاورة . واكتسبت منظمة إجرامية أخرى هي أونوراتا سوسيتا ( الجمعية المحترمة ) نفوذًا في إقليم كالابريا الإيطالي حوالي عام 1900 م . وتعتقد الشرطة أن هذه المنظمات لا تزال موجودة. وهناك أمثلة كثيرة على تلك الأسر والجماعات.
في أمريكا:
وقد أبلغت الجهات القانونية الرسمية ـ لأول مرة ـ عام 1891 م عن وجود مافيا في أمريكا . ففي ذلك العام قتلت جماهير نيو أورليانز 11 شخصًا دون محاكمة، وذلك لاتهامهم بارتكاب جرائم قتل . ومنذ صدور قانون الحظر في العشرينيات من القرن العشرين أصبح الأمريكيون الذين ينحدرون من أصل إيطالي يسيطرون على كل الجرائم المنظمة في الولايات المتحدة.
نمت المافيا بالولايات المتحدة الأمريكية في بدايات القرن العشرين بهجرة الصقليين ، حتى قام مكتب التحقيقات الفيدرالي في السبعينات والثمانينات بتقليص نفوذ المافيا إلى حد ما .
اليوم تظل المافيا الإيطالية-الأمريكية هي أقوى منظمات إجرامية بالولايات المتحدة الأمريكية وتستخدم هذه المكانة للسيطرة على غالبية أنشطة شيكاغو ونيويورك الإجرامية ، كما أنها لازالت تحتفظ بعلاقات بالمافيا الصقلية التي نشأت منها. حيث أن قوة المافيا في صقلية أكثر تكاملاً واستقراراً ، حيث أن الفساد مستشري والحكومة المحلية هي تقريباً فرع من فروع المنظمة ذاتها، حيث لهم تأثير حتى على القضاء.
بدأت المافيا نشاطاتها في أمريكا بالسيطرة على مدينة نيو يورك ، وتوسعت المافيا إلى أن أصبحت 26 أسرة عبر الولايات المتحدة الأمريكية ، بالمركز في نيو يورك ، وبعد العديد من حروب العصابات ، إنتهى الأمر إلى سيطرة 5 عائلات على الأنشطة الإجرامية في نيو يورك : عائلات بونانو ،كولومبو ، جامبينو ، جينوفيز ، لوتشيز.
نـشـاط الـمـافـيـا الـيـوم
تقترب أرباحها اليوم من ميزانيات الكثير من دول العالم . غير أن الجرائم المنظمة تغيرت طبيعتها في الفترة الأخيرة واتخذت شكلاً في غاية الدقة والتعقيد بسبب تعقيد النشاط الاقتصادي في العالم بشكل عام .وقد أصبحت المافيا وعالم الجريمة المنظمة محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير. وبرغم كل المحاولات المبذولة للقضاء عليها في الكثير من الدول ، لا يزال تأثيرها القوي على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية والإيطالية خاصة بشكل يقلق الساسة والشعوب على حد سواء. واليوم تستخدم كلمة المافيا مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية الياكوزا . وينتظم حوالي 6 آلاف إيطالي أمريكي يشاركون في الجريمة المنظمة في شبكة عصابات إقليمية تسمى العائلات وتشارك هذه المنظمات في العديد من النشاطات غير القانونية مثل المقامرة، والدعارة، وبيع المخدرات، والربا . ويقدر المسؤولون عن القانون أن هذه العائلات تكسب حوالي 50 بليون دولار أمريكي سنويًا من هذه النشاطات الإجرامية . ويعتقدون أنها أصبحت تمارس كثيرًا من الأنشطة المشروعة، بجانب أنشطتها غير القانونية (غسيل الأموال) .