إننا حين نتحدث عن نوستراداموس فإننا نتحدث عن أشهر شخصية مارست التنبؤ في
التاريخ بل وأطول مساحة زمنية امتدت عليها التنبؤات. لقد امتدت خمسة قرون بدءاً من
أواسط القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن العشرين. لقد حظيت هذه التنبؤات بمعدل
طبعة في كل عام منذ بدء نشرها وهذا ما لم يحدث لأحد من قبله، كما تعرضت هذه
التنبؤات إلى التزوير من قبل عشرات الكتاب والسياسيين وكثير من المؤرخين الذين
حاولوا تكييفها لظروف دعائية وحرب نفسية. هذا وعن مصداقية هذه التنبؤات تكمن في
التاريخ الواقعي للعالم الذي تحدث عنه. فلم يعرف التاريخ تنبؤات صدقت بدقة وتفصيل
سواء كانت ذات طابع فردي أو جماعي مثل تنبؤات نوستراداموس
لقد تضمنت هذه التنبؤات أحداث تاريخية وسياسية وفكرية وعلمية وتكنولوجية وجغرافية،
كما تضمنت تنبؤات حول الأسلحة الحديثة وعن اكتشاف القنبلة الذرية وعن استخدام
الفضاء للحروب وغيرها، والأكثر من ذلك أن هذه التنبؤات تحدثت بشكل تفصيلي عن
مؤامرات واغتيالات وثورات لا يمكن ان تخطر على ذهن أي إنسان عاش في زمنه. مثل
مصرع كنيدى وشقيقه وغرق الاسطول الفرنسى على شواطىء الاسكندرية وانتحار
هتلرواختراع العديد من الاسلحة ووسائل المواصلات
وقد ارتبط اسم هذا الرجل بالكوارث الكبرى والأحداث المأساوية في تاريخ الإنسانية في
القرون الخمسة الماضية؛ فحيثما حلت بالعالم مصيبة عظمى أو كارثة أكبر من قدرته
على الاحتمال، أو يصعب عليه استيعابها كانت النبوءة والبحث في الغيب هما المتنفس
الوحيد حين تتوقف قدرة العقل على العمل وتشل حركة صاحبه عن الفعل. ولهذا كان أول
ما فعله من أذهلتهم أحداث سبتمبر الدامية أن لجئوا إلى الطبيب والمنجم الفرنسي
نوسترآداموس أشهر منجم في التاريخ، والذي ارتبط اسمه بأشهر النبوءات وأكثرها إثارة
منذ ظهوره في القرن السادس عشر إلى الآن!
ولد نوسترآداموس nostradamous (واسمه الأصلي ميشيل دي نوتردام) في
الرابع عشر من ديسمبر سنة 1503 ميلاديالأسرة فرنسية أجبرت على ترك
اليهودية واعتناق الكاثوليكية وعرفت ببراعتها في مهنة الطب، حيث كان والده
طبيبًا مشهورًا، وكذلك جده الذي أشرف على تعليمه أسرار هذه المهنة، وكانت
وقتها تختلط بالسحر والكهانة والتنبؤ بالمستقبل وبالطقوس الدينية أيضًا، إضافة إلى
تعليميتجاوز العشرين من عمره، وكان قد تخرج في أكاديمية مونبيليه واحترف العمل
طبيبًا في سن مبكرة. واشتهر منذ صباه بقدرات ومواهب مدهشة؛ فقد كانت لديه
قدرة على البقاء نشيطًا ومستيقظًا إلى فترة طويلة حتى إنه لم يكن ينام أكثر من
أربع ساعات فقط على الأكثر في يومه، واستطاع في فترة مبكرة من حياته الإلمام
بعدد من المعارف والهوايات الغريبة؛ فدرس علوم السحر والكهانة.
ويشير البعض إلى أنه ربما درس الحضارة المصرية القديمة وكان على معرفة
واسعة بتاريخها وبآلهة الفراعنة وعلوم السحر التي كانوا أشهر العارفين بها، كما
درس عددًا من العقائد والديانات السماوية والوضعية وكان على دراية بمعظم
طقوسها، ومنها الإسلام، حتى إن البعض زعم أنه ربما أسلم في نهاية حياته ولكنه
لم يكشف عن ذلك، وقد تنقل في عدد من البلدان الأوروبية والإسلامية، وإن كان
هناك خلاف حول زيارته لمصر.
وقد بدأت شهرة نوسترآداموس في الظهور مع الوباء الثاني الذي أصاب فرنسا سنة
1545 حيث استطاع أن يبتكر علاجًا قضى على هذا الوباء، وانتقلت شهرته لهذا السبب
إلى أنحاء العالم، وكان أحد أسباب الشهرة أيضا إعجاب الملك هنري الرابع به؛ فقربه
إليه وأعطاه أموالاً كثيرة، حتى إنه أصبح فيما بعد أغنى مواطن في فرنسا،
وفي سنة 1550 بدأ آداموس في إصدار أول كتاباته التي كانت تشبه الدليل المبسط
للمواطن العادي إلى الرعاية الصحية، وكانت تتضمن تعليمات تختلط فيها النصائح الطبية
بالمقولات الوعظية مع بعض التنبؤات على عادة كتب الطب في هذا الوقت الذي كانت
تختلط فيه علوم الطب بالتنجيم والسحر.
وفي سنة 1554 بدأ في إصدار كتابه السنوي الشهير الذي عرف باسم "الكتاب السنوي
في التنبؤات العظمى"، وجاءت أول طبعة عبارة عن تنبؤات بما سيحدث في القرون
القادمة؛ حيث صاغ نبوءته باللغة اللاتينية تتداخل معها الإيطالية، واللاتينية في بيت شعر
بطريقة التشفير التي تزيد من حالة الغموض والرغبة في الاستكشاف، وكان يضع لكل
قرن مائة بيت من الشعر تتضمن مائة نبوءة.. لكل عام نبوءة، لذا سميت بـ (القرون)
Centuries
وقد حازت نبوءات نوسترآداموس اهتمام الناس منذ وفاة الملك هنري الرابع سنة 1559
وتولي ابنه فرانسوا الثاني بدلا به إلى أن مات مسموما؛ حيث كان نوسترآداموس قد تنبأ
بذلك تفصيليا، وانه سيموت فى مبارز وديه مع احد وزرائه وسيصاب فوق عينيه ويموت
ميتة مؤلمة وهذا ماحدث بالضبط ومات الملك بعد اصابته بعشر ايام عانى فيها الآم كبيرة
من جراء الاصابه مما لفت أنظار الشعب الفرنسي كله الى نوستراداموس ، وعلى رأسه
الملكة "كاترين دي ميتش"
وإيمانًا منها بنوسترآداموس فقد قربته إليها وأعطته مكانة عظمى في البلاط الملكي، حتى
إن نوسترآداموس حين توفي في 2 يوليو 1566 كان قد أصبح شخصية تاريخية تقترب
من الأسطورة،