ريتشارد قلب الأسد عام 1157 م , وهو الابن الثالث للملك هنري الثاني. على الرغم من مكانته التي وضعه ابوه فيها, وجعله في منزلة الدوق, الا انه لم ترق له هذه الحياة ولم يرض بغير الملك, فثار مع اخوته على ابيه عام 1173–74 م . ثم ما لبث وان تقاتل مع اخوته ايضا على الملك, وعاد مرة اخرى وقاتل ابيه في معركة عنيفة عام 1189 م .
موجز بسيط عن حياته :
حياته عبارة عن سلسلة متصلة من الحروب , حاول وهو شاب صغير الانقلاب على أباه الملك هنري ملك انجلترا الكبير .. بل وحارب قومه الانجليز الا أن ابوه انتصر عليه بعد أن انفض أتباعه , وعفا عنه .. ثم حارب الفرنسيين تحت راية أبوه , وفي تلك الحروب بدأ يشتهر بلقبه الذي لايذكر اسمه الا ويقرن به ! ... أعني لقب " قلب الأسد " فأصبح يعرف بريتشارد قلب الأسد ..
تعاون مع عدوه اللدود ملك فرنسا فيليب أغسطس ضد أباه الملك العجوز هنري .. وهذه المرة تمكن من الحاق الهزيمة بوالده ! وتم عقد صلح مهين مع الملك هنري الذي توفي بعد ذلك الصلح بقليل قهرا , تولى ريتشارد قلب الأسد حكم انجلترا وبدأ يعد العدة للذهاب للمشرق , الى صلاح الدين , وكله أمل باستعادة القدس التي وقعت بين يدي القائد الأيوبي الكبير سنة 1188 م .. في 1190 خرج ريتشارد على رأس جيشه متجها الى قبرص أولا , الا أنه تشاجر مع ملكها فما كان من ريتشارد الا أن احتل الجزيرة بأسرها !
ثم أكمل طريقه الى فلسطين وهناك وعلى مدى سنتين خاض حروب كثيرة ضد القائد المسلم الفذ صلاح الدين الأيوبي انتصر ريتشارد في بعض منها , وأهمها معركة أرسوف , الا أن ملك انجلترا اضطر للعودة لبلاده دون أن يتمكن من أخذ القدس من صلاح الدين .. أما أهم أسباب عودته فهي أولا قطع خطوط المواصلات مع بلاده وطول المسافة , وثانيا انقلاب أخوه جون في انجلترا , وثالثا تيقنه باستحالة أخذ القدس تحت هذه الظروف خاصة وأنه يواجه قائد عظيم هو الناصر صلاح الدين .. في 1192 عقد ريتشارد مع صلاح الدين معاهدة تنازل فيها الصليبيين عن بيت المقدس ولم يتمكن ريتشارد الا بالاحتفاظ بالمدن الساحلية للصليبيين , ثم غادر الى بلاده الا أنه في طريقه وقع في أسر امبراطور ألمانيا هنري السادس ولم يطلق سراحه الا بعد دفع فدية كبيرة سنة 1194 , فلما عاد ريتشارد الى انجلترا تمكن من استعادة ملكه وقتل المتآمرين وعفا عن أخاه , ثم توجه الى فرنسا للدفاع عن ممتلكاته فيها , واستمر خمس سنوات يقاتل بشجاعة الى أن خرج ذات يوم بلا دروع فأصابه سهم قتله سنة 1199 , ومن أطرف وأغرب ما يذكر عنه , أنه بعد توليه ملك انجلترا لم يقيم فيها الا لأقل من 6 أشهر فقط ! وبقية التسع سنوات والنصف قضاها خارج بلده في حروبه المتواصلة .
قام هذا الملك الصليبي بقيادة (حملة الملوك) الصليبية والتي تعرف بالحملة الصليبية الثالثة, برفقة ملك فرنسا فيليب الثاني (فيليب اغسطس) , و ملك المانيا فريدريك الأول (ذو اللحية الحمراء). وفي طريقه الى فلسطين, قام بتأديب لصوص قبرص الذين لم يعلموا مقدار قوته عسكريا التي كانت حوالي 250 ألف جندي صليبي , فقام بتاديب لصوص قبرص وجلس في قبرص مدة قصيرة, وكانت سببا في تأخره لمقاتلة المجاهدين في فلسطين.
وصل الملك الصليبي الى فلسطين بهدف تحريرها من المسلمين, ودارت بينه وبين القائد العظيم صلاح الدين يوسف عدة معارك مهمة لعل اهمها هو معركة أرسوف التي كانت المعركة القاصمة والتي اسفرت عن مقتل الالاف من المسلمين, وهزيمة الجيش الاسلامي في نهاية المعركةمما يجدر ذكره ان هذا الملك الصليبي قد تعرض للموت مرات عديدة, وقد عُرف عنه انه مجازف لدرجة الجنون, ولعل هذا كان سبب موته وسنأتي لها لاحقا. على الرغم من انتصار الجيش الصليبي المقدر بـ 500 ألف جندي ذلك الوقت وبقيادة ملكين لأقوى دولتين في أوروبا ذلك الوقت, الا ان ذلك لم يجعله يصل الى مراده بوجود القائد البطل صلاح الدين يوسف بجيشه الذي يقارب الـ 3000 جندي فقط. مما جعل ريتشارد يرضخ لسيادة المسلمين لمدينة القدس والعودة فورا لأوروبا بعد ان أعلن اخيه (جون) عصيانه وتلقيب نفسه بملك انجلترا عوضا عن ريتشارد.
أُسر ريتشارد وهو في طريقه الى بلاده من ملك النمسا(ليوبولد), وتم ارساله الى امبراطور روما هنري, وتم ايضا سجنه هناك ولبث فيها الى ان فدى نفسه بمبلغ ضخم جدا كان حافزا له ليستعيد ملكه بالقوة. وبعد عودته للعرش, قاتل صديقه (في الأمس) ورفيق دربه الصليبي الملك الفرنسي فيليب اغسطس الثاني. قتُل ريتشارد في احدى المعارك الصغيره نتيجة لإهماله وعدم الاخذ بنصح مستشاريه العسكريين عام 1199 م.
ومن الصفات التي لم تعجبني في هذا الملك الصليبي, هي انه كان مجرم حرب بصورة لا يستهان بها, فقد خالف النصوص السماوية وقتل 3000 من أسرى حصون عكا المسلمين فقط لأن صلاح الدين تأخر في دفع فديتهم, وقد أخذ عليه المؤرخون الغرب هذا الشيء قبل المؤرخين العرب, بمعنى أدق وفي مصطلح العصر, لقد كان الملك الصليبي إرهابيا لا يعرف للحق مبدأيقال انه داهية زمانه (أرطبون) . وكان اغلب الملوك يخشون بطشه وقوته, نظرا لعدم اعترافه بمبدأ التراجع او الخوف ابدا. ايضا كان محنكا في الخطط العسكرية البحتة, على الرغم من فشله الذريع في اخذ القدس من صلاح الدين